Search Engine Submission - AddMe

الأربعاء، 3 ديسمبر 2014

عمرو خليفة يكتب:براءة مبارك و رقصة الأمل

عمرو خليفة

جاء يوم التاسع والعشرون من نوفمبر ملبد بغيوم ظلم؛ قرار قضائي بزوال كل الأحكام عن حسني مبارك. أحياناً تأتي الكوابيس و بها رتوش معطرة بالتفاؤل. هنا كانت المفاجأة، بعد فترة طويلة خالية من ثوار و نشطاء ٢٥ يناير فاض الكيل و زادت الأعداد في التحرير مرةً أخرى. كان الكل على علم بحجم المخاطرة في ظل الدولة البوليسية المهيمنة ، و لكن أخطأ النظام وتصور أن الشعب سيتغاضى عن العلقم وقد يكون هذا اليوم بمثابة خطوة صغيرة في الطريق إلى حياةٌ أكرم لمن يستحقوها. و بعد شهور أوعلى أسوأ الفروض، سنوات قليلة قد ننظر إلى هذا اليوم ك”إتحادية” السيسي.
منذ أن أمسك السيسي بلجام الجواد منذ شهور قليلة، تعاقبت القرارات الدكتاتورية ذات مضمون واحد؛ السيطرة التامة على زمام الأمور في مختلف أجواء الأمة. فقد جاء قبل قرار زوال الأحكام عن مبارك قرارات عدة، بدايةً من رفع الدعم عن سلع ضرورية ، مرورا بالحزام الأمني بسيناء الذي تضمن تهجير الآلاف من اخواتنا، ثم قانون التظاهر و قبضة حديدية في الإعلام، في الفن وخاصةً في السيطرة على المظاهرات فأظلمت السماء. لكن لا يتحرك نظام بدون أخطاء و لم يكن نظام السيسي معفي من هذا. فبصدور حكم القاضي الذي اعفي مبارك و نظامه من مسؤلية ثلاثون عاماً من الجرائم،فكانت الشعلة التي طل انتظارها .
في بداية المطاف كان بإمكانك فقط سماع أصوات التحرير الصاخبة و لكن بدون أي إشارة إلى عاصفة الغضب القادمة. كان ميدان التحرير خالي من المتظاهرين فقط أم شهيد ذات حنجرة مجلجلة و قلب ينبض بحزن قاتم يحرك غضب وشجاعة لا حدود لهما. وقفت هذه الأم المصرية تهتف ضد حكم العسكر، ضد مبارك، وأخيراً ضد السيسي. تصرخ وتقول: “مستنية الرصاصة، أنا أهه”. من الإحتمالات المرجحة إن مثل هذا المشهد البطولي أعطى قوة دفع لم تسبق لآلاف من المصريين الذين كان يغلي الدم بعروقهم و هم محتمون بمنازلهم. و توالت الساعات و توافد المتظاهرون على الميدان و كأن شيئاً لم يكن في الشهور الماضية.
عند غروب الشمس ارتفعت الأعداد إلى المئات و بعد قليل من الوقت إلتهم الشعب الميدان كعهده و اهتزت المدينة بصياح و هتاف المظلومين الوطنيين الغاضبين. زادت الشجاعة و لكن لأننا في عصر رجل لا يقبل إلا سماع صوت من إثنين؛ صوته أو صوت الرصاص ، زادت أعداد القوات الخاصة، البلطجية، الأمن المركزي، العصيان الخشبية، الخرطوش، الغاز و العربات المدرعة. فهذا واقع هذه البلاد و لم يكترث المتظاهرون و جاء الهجوم، بحجة التعامل مع “الجماعة الإرهابية”، و أردى قتيلين انضموا إلى من سبقوهم إلى جنة الشهيد و لكن مع المقاومة الباسلة لم يحضر زائر الفجر بل جاء ملاك الأمل. قالت الأقلية؛ نحن هنا، نحن غاضبون، قالوا شهدائنا وقودنا.
وكأنها نغمة حزن موحدة وإنطلق أحمد خير، مذيع أون تي في، قائلاً: “يراد لنا هذا السؤال الأبله من القاتل وكأننا لم نعرفه و لم نره، لم نكن بجوار هؤلاء الذين خرجوا هاتفين من أجل حرية لم نرها وكرامة إنسانية تنتهك حتي الآن و لا عدالة إجتماعية من أموالنا التي يتصالح فيها الفسدا مع فسدا اخريين.” من رأى أحمد و هو يتكلم، بكل تأكيد، زلزال من بلاغة وشجاعة مفرداته أي إن كان معسكره السياسي. القناه التي يعمل بها أحمد تمتاز بتقنية مهنية حكومية أكثر من الحكومة ذات نفسها على نقيض نظيرها الثوري قبيل ٣٠ يونيه. مغامرة أحمد بقول الحق دون دبلوماسية أو تجميل يرمز إلى غضبٍ ملموس في حجرات و حيطان دون أذن من صحفي معروف بمصداقيته و مهنيته في عصر يكاد لا يعلم كيفية إستهجاء الكلمتين. أهمية أحمد تكمن في تعبيره عن صوت شباب ثورة يحاربهم النظام بضراوة لا يوازيها إلا حربه على الإسلام السياسي. فلا يوجد أي صدف في خندق الثورة المضادة، الأصوات التقدمية الثورية تكبل في الصحافة، التليفزيون و الإذاعة. في نهاية الأمر لم يكن موقف أحمد خير يمثل موقف شجاع إنسانياً بل سهماً مثل الصاروخ يضيء الطريق إلى مرحلةً حتمية يعبر فيها الصوت المطالب بالتغيير عن كل ما هو ظالم، مهين، ومعرقل لمحرك ثورة ٢٥.
وكعادتها لعبت المرأة المصرية دورها ببراعة في الإنشودة الثورية. جاءت المقدامة عايدة سعودي، مذيعة راديو هيتس، لكي تعبر بحرارة، صدق و حكمة تفوق سنين عمرها الزمني. “الإحساس بالقهر و الإحساس بالجبن بسبب الحكم هو … عادي … أنا كمذيعة في إعلام الدولة … اني من حقي أحس بالألم و الوجع … حقي أحس بالحزن … من حقي أحس بالقهر من الناس ألي بتحتفل بالبراءة … بس من حقي أحس اني متضايقة انهم فرحانين في موت صحابنا و اخواتنا.” لم تقول عايدة شيء يهتز الكون له، لم تعلن عايدة الحرب ضد نظام قهري، لم تصرخ عايدة قائلة: “الشعب يريد إعدام مبارك.” ولكن عبرت عايدة بعقلانية و إتزان و حكمة عن مشاعر مئات الألاف من المصريون، إن لم يكن الملايين منهم.
قد لا تكون هذه بداية موجة جديدة من الثورة، قد تكون لحظة غضب إستطاع أن يمتصها نظام يستخدم خريطة الماضي لكي يخمد أحلام المستقبل. و لكن الطفل المتفائل بعبق الثورة يعتقد إن هذه السحابة أتت حاملة مطر الغضب الذي سيغسل تراب الدكتاتورية.
بوابة يناير

0 التعليقات :

إرسال تعليق

 

تعريب وتطوير: www.tempblogge.blogspot.com
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Facebook Themes custom blogger templates